Details
Nothing to say, yet
Details
Nothing to say, yet
Comment
Nothing to say, yet
فإذا استقرت قدمه في منزل التوبة، نزل بعده منزل الإنابة، وقد أمر به تعالى في كتابه، وأثنى على خليله بها، فقال وأنيبوا إلى ربكم، وقال إن إبراهيم لحليم أواه منيب، وأخبر أن ثوابه وجنته لأهل الخشية والإنابة، فقال وأذلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشع الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، يدخلوها بسلام، والإنابة إنابتان، إنابة لربوبيته، وهي إنابة المخلوقات كلها، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبر والفاجر قال الله تعالى، وإذا مس الناس ضرٌّ، دعوا ربهم منيبين إليه، والإنابة الثانية إنابة أوليائه، وهي إنابة لإلهية، إنابة عبودية ومحبة، وهي تتضمن أربعة أمور، محبته، والفضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عمه سواه فلا يستحق إسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربعة، وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك، وفي اللفظة معنى الإصراع والرجوع والتقدم، فالمنيب إلى الله، المسرع إلى مرضاته، الراجع إليه كل وقته، المتقدم إلى محابه علمات صدق الإنابة إذا أصفت له الإنابة إلى ربه، تخلص من الفكرة في لذة الذنب، وأعاد مكانها آلماً وتوجعاً لذكره، والفكرة فيه، فما دامت لذة الفكر فيه موجودة في قلبه، فإنابته غير صافية، فإن قيل حالين أعلى أي الحالين أعلى؟ حال من يجد لذة الذنب في قلبه، فهو يجاهدها لله، ويطرقها من خوفه ومحبته وإجلاله، أو حال من ماتت لذة الذنب في قلبه، وصار مكانها آلماً وتوجعاً وطمئنينةً إلى ربه، وسكوناً إليه، والتذاذاً بحبه، وتنعماً بذكره، قيل حال هذا أرفع وأكمل، وغاية صاحب المجاهدة أن يجاهد نفسه حتى يصل إلى مقام هذا ومنزلته، ولكنه تاليه في المنزلة والقرب، ومنوط به، فإن قيل فأين أجر مجاهدتي صاحب اللذة، وطرقه محبه لله، وإيثاره رضا الله على هوى، وبهذا كان النوع الإنساني أفضل من النوع الملكي عند أهل السنة، وكانوا خير البرية، والمطمئن قد اصراح من هذه المجاهدة، وعوفي منها تفاوت ما بين درجة المعافى والمبتلة، قيل النفس لها ثلاثة أحوال، الأمر بالذنب، ثم اللوم عليه، والندم عليه، ثم الطمأنينة إلى ربها، والتذذال بكل يتها عليه، وهذه الحال أعلى أحوالها، وأرفعها، وهي التي يشمر إليها المجاهد وما يحصل له من التواب مجاهدته وصبره، فهو التشميره إلى درجة الطمأنينة إلى الله، فهو بمنزلة راكب الخفار، والمهام، والأحوال، ليصل إلى البيت فيطمئن قلبه برؤيته والتواثبه، والآخر بمنزلة من هو مشغول به مطائفا، وقائما، وراكعا، وساجدا، ليس له انتفاة إلى غيره فهذا مشغول بالغاية، وذاك بالوسيلة، وكل له أجر، ولكن بين آجر الغايات وأجر الوسائل باهم للمطمئن من الأحوال، والعبودية، والإيمان، فوق ما يحصل هذا المجاهد نفسه في ذات الله تعالى، وإن كان أكثر عملا، ففضل عمل المطمئن المنيب بجملته وكيفيته أعظم، وإن كان هذا المجاهد أكثر عملا، وذلك فضل الله يبتيه من يشاء فما صبقت في البيئة الصحابة بفصلة عمل، وفيهم من هو أكثر صياما، وحجا، وقراءة، وصلاة منه، ولكن بأمر آخر قام بقلبه، حتى إن أفضل الصحابة كان مصابقهم، ولا يراهم إلا أمامه ولكن عبودية مجاهد النفس على مذنف الدم والشهوة قد تكون أشق، ولا يلزم من مشاقتها تفضيلها في الدرجة، فأفضل الأعمال إيمان بالله، والجهاد أشق منه وهو تاليه في الدرجة ومن علامات الإنابة، ترق الاستهانة بأهل الغفلة، والخوف عليهم، مع فتحك باب رجاء لنفسك، فترجو لنفسك الرحمة، ولا ترجو على أهل الغفلة أن نقمع، ولكن أرجو للهم الرحمة، وافشع على نفسك أن نقمع، فإن كنت لابد مستهينا بهم ماقة لهم، لانكشاف أحوالهم لك، ورؤيتناهم عليه فكن لنفسك أشد مقطة منك لهم، وكن أرجى لرحمة الله منك لنفسك، قال بعض السلس، لن تفهى كل الثقه حتى تنقط الخلق في ذات الله، ثم تقبل على نفسك فتكون لها أشد مقطة، ومنها التفتيش عما يشوب الأعمال من حظه آن نفس، وتمييز حق الرب منها من حظه آن نفس ولعل أكثرها أو كلها أن تكون حظها لنفسك وأنت لا تشعر فلا إله إلا الله كان في النفوس من علر وأبراد، وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة، وأن تصل إليه، وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر آبت، وهو غير خالص لله ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقا، وهو خالص لوجه الله، ولا يميز هذا من هذا إلا أهل البصائر، وطباء القلوب العالمون بأدوائهها وعلارها، فبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قد طاع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره فلو وصل آثار الأعمال إلى قلبه، لفت نار وأشعر، ورأى الحق والباطل، وميز بين أولياء الله وأعدائه، وأوجب له ذلك المزيد من الأحوال، ثم بين القلب وبين الرب مسافة، وعليها قد طاع تمنع وصول العمل إليه، من كبر وإحجاب وإدلال، وركية العمل ونسيان منها وعلل قفية، فوستقصوا في طلبها، ورأى العجب رحمة الله تعالى فترها على أكثر العمال، إذ لو رأوها وعينوها، لوقعوا فيما هو أشد منها، من اليأس والغنوث والاستحسار، وثرط العمل، وخمود العزم، والفتور الهمة